كان فراتاً
*جابر خليفة جابر
عرفته أولا, قبل إن أراه ,قبل عشرين عاما أو أكثر , وعرفته أكثر بعد نشاطات منتدى الأدباء الشباب , شدتني جرأته وهو يقرأ قصيدته عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام , يوم ذاك , لم تكن قراءة قصيدة كهذه جراءة حسب , إنما أكثر من شجاعة , وربما رآها عاشقو البارات تهورا أو تخلفا ولكني انتميت لها , لقصيدته وله ولم يطل الحال بالمنتدى فأرتحل بشبابه إلى معتقل الرضوانيه الرهيب , فرات – كريم جخيور – عبد الرزاق صالح – واثق غازي – عادل الثامري – عبد الغفار العطوي وعبد السادة البصري وآخرون .
فكانت الرضوانية محطة تعاشق أخرى بين روحينا وكنت في الخارج حرا – كعادتي – متعاطفا ومؤازرا فلم أصعد المنصة لقراءة قصة بعد أن اعتقلوا ولم, ولم – وبعد عام أو اقل , مر ثقيلا وبطيئا خرجوا , خرج فرات لاكما دخل خرج نحيلا تناوشته الدزنتريا و قويا يؤججه إيمانه الصادق ، مثقلا بقصاصات صغيرة ضمت قصائده . وحدها هذه , لمن عرف معتقل الرضوانية الرهيب و وحدها , كتابة قصائد وإخراجها معه , مجازفة ما بعدها مجازفة , لو كشفوها , لأبقوه هناك ربما إلى الأبد لكنه خرج , خرج بإنسانية أروع وشاعرية أبدع وبقص جديد .
ولا أدري لم كلما ذكر اعتقاله حضرت أمامي قصته الموحية (العودة إلى المنزل ) والتي نشرت متزامنة مع اعتقاله , كما لو انه يعرف ما سيحدث ,وقرر أن يعود عبر هذه القصة إلى داره , كما عاد فعلا فيما بعد , قرر العودة قبل أن يؤخذ من داره ويعتقل , كانت قصته نبوءة , وهذا يعزز ما أراه من إن الإبداع غيبي وما ورائي أكثر مما هو منطقي ومعقلي .
ومما لا يعرفه الوسط الأدبي في البصرة إلى ألان , إن الثلاثة فرات صالح وكريم جخيور وجابر خليفة , أصدروا مطبوعا سريا عام 2000 ووزع بإشكال مختلفة وطبعات عديدة ولهذا حكاية طويلة سنذكرها يوما .
بعد هذه الالماحات إلى بعض ما اعرفه عن فرات المبدع وفرات الصديق , اذكر خصلة أخرى أم ترتبط برقته وعاطفيته فهو سريع التأثر والتغير من حال لأخرى وهذا منعكس على ما يكتب، فكان قبل شهر أن قرأت قصيدة رائعة ومؤثرة أدمعت عيني وكأنه كان يرثي نفسه ثم بعد يوم واحد قرأت له قصيدة في الوله والهيام , وبين تلك وهذه هكذا هو يتأرجح أو يترجح محبا للحياة تحطمه صدماتها , لا يقوى على امتصاصها إلا بعد أن تأخذ منه وتهده , لذا بدا الحزن يسري إلى قلبه والانكماش إلى نفسه والانزواء عن الحياة ترى هل سيقول يوما كما قال (سيرجي يسنين )
ـ ودائما صديق
ودائما . .
دون مصافحة , دون كلمات
فليس جديدا أن نعيش من عالمنا هذا
وليس أكثر جدة – بالطبع – أن نموت ـ
كما قالها يوما صديق شاعر آخر من البصرة ومضى.
هل سيقولها كما فعل مناضل الجزائري الذي أعدموه عام 1983 أم سأقولها أنا لأحبتي أحبة الروح وارحل ؟
لا ادري , ثمة فراتان في هذا العالم دائما وثمة أيضا مقاصل وقماصل سود.
وثمة دائما وأبدا العادل الحي الذي لا يموت.
* قاص عراقي
العـــــــــودة للصفحـــة الرئيســــة – العــدد السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق