الجمعة، 22 أكتوبر 2010

تكست - العدد السابع:وصايا الطباشير .....قراءة في ما وراء النص كتب عبد الغفاري العطوي


وصايا الطباشير .....قراءة في ما وراء النص


عبد الغفار العطوي


يثير العنوان الثانوي في المجموعة الشعرية ( وصايا الطباشير ) للشاعر فرات صالح الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة المسمى ب( الرضوانيات) جملة تساؤلات حول ارتباطه بنصوص المجموعة ، إذا ما رأينا إن هذه النصوص الشعرية لا تتطرق لا من قريب ، ولا من بعيد لهذا المسمى ، أو دلالته ، وتضع القارئ في حيرة ، لينتج لهذا المسمى المبهم افتراضات لما وراء النصوص ، يكون الاشتغال مبرراً ساعتذاك عليها

1- الرضوانيات قادمة من الرضوانية ، وهي إحدى صفات الرضوان ، ولأن نصوص المجموعة تتحدث عن القضايا المتعلقة بالموت والشهادة ، فبالأحرى تتطابق دلالة الرضوانية بهذه النعوت ، فإن علاقة نص ( شهيد ص 3) جلية معه ، حيث يقول :



( بالأمس رأيت الصحب

_ كنت مجازاً_

سألوني عنك

فوليت الأدبار )

ويتخذ الشاعر هذه العلاقة بينهما للوصول إلى إن الرضوان هو الحقيقة الخالدة للشهيد في الحرب ، ولا يمكن القول بعكسه ، أما في السلم فلا رضوان ولا شهيد ، مما يعكس حرص الشاعر على استتباعه لمسمى الرضوانية وفق ذلك



2-والرضوانية تعني نوعاً من الرضى لدى الإنسان ، في قناعته بصدد ذاته ، أو إزاء عمله ، أو اتجاه وجوده الفردي والاجتماعي ، إذا ما شعر ذلك الإنسان بأنه موهوب ، فهذا عازف الكمان يوصي بالرضى أمام عمله الموسيقي في ( وصية عازف الكمان ص9) كما نرى





( قائداً للأوركسترا

وعازفاً أوجد

أقترح الإخطبوط

في صلعته ما يوحي بالنبوغ

في عينيه حزن عميق

وفي المتبقي من أياديه

ما يكفي لجعل القاعة تهتز بالتصفيق )



والامتنان بالرضا يجلب للإنسان السعادة بالتضحية مهما كانت النتائج ، ففي ( باطل كل الذي تدعين دوني ص 11 ) يراهن المرء على الرضا الناجم من الإحساس بقدر التضحية



خمسمائة وخمسة وأربعون خنجراً

تراقصن حولي

وأنا أناديك أيتها المسافة التي ترتدي

أرصفة من رصاص وذكريات

كوني بلاداً للمارقين

كوني فضاء للصراخ



3- وتأتي الرضوانيات على سياق اليوميات ، حيث الرضوانيات شكول لا تنم عن تغير كالأيام، ونص ( لا عيد عندي ص 22) مصداق لهذه العبارة ، من ناحية طغيان الفراغ على ذات الشاعر



( تبتكر السيدات أعيادنا

وأنا لا عيد عندي ولا سيدة

يقتطع الوقادون صفحات بيضاً من دفتر عمري

وأنا أرفع لافتة للقادمين )



وتنطبق الرضوانيات التي تتزاحم مع اليوميات في (هذيانات ص25) لدرجة تكاد أن تعني الشيء الغامض ذاته



تكسر لوح المساء على كتفي | ركلتني الحانات خارجها لأني

كنت أشرب روحي ولا أغني لها وهي تستسلم عارية للفجر

المعقوف كأنياب الفيل | رحت ألعق الشوارع وأؤثثها بالرمال



وبالتالي فالرضوانيات تدق كالأسئلة على جنبات الرؤية اليومية ، ففي ( مسامير الأسئلة ص 27) تكمن دقات الرضوانية



لا أراك يا مليكة الجهات

فأين أنا ؟

ما الورد

ذابلاً في ممرات مظلمة ؟

0 أية أسنان تمضغ أيامنا ؟

وأية أيد تنظفها من بقايا أحلامنا ؟



وتقترن الرضوانيات بملمح الجنوب ، وما يغدق على الأشياء من ممانعة كما في (شبابيك الجنوب ص31 ) حيث تبدو الرضوانيات كالملامح الدالة على بقايا انفجار من نوع آخر



قنبلة من الورد انفجرت ولم أكن قريباً بما يكفي لتصيبني

الشظايا ، كنت منشغلاً بقنابل لا عطر فيها ولا ورد

، حاولت أن أمد يدي إلى الجنوب غير أن الجهات استدارت

، صارت يدي بوصلة لا تشير إلى أحد سوى دمي الموزع



4- والمعتقد إن الرضوانيات تطرح أزمة ما في حياة الشاعر فرات صالح ، كأن تكون عاطفية متعلقة بذات الشاعر كما في (احتلام ص32) ونزع إلى أن يجد الرضوان والرضا من جراء إنسياقه وراء شهواته



ممتطياً حصان الشهوات

أسلخ جلد الخجل المتقرن عن جلدي

وعن ذاكرتي أزيح الرمال

أشدو بأغنية علمتنيها العصافير الأخيرة



أو أن يصطدم ب( سيدة ص35) كالرخام الدافئ يعاني منها الأمرين ، لتكون الرضوانيات جزء من مشاقه


سيدة من رخام دافئ

ونبيذ

على شفتيها ينام المغني

تحت أقدامها ترقص الأرصفة

حين التقينا

تدفقت في دمنا الخيول



ولا تكتمل الرضوانيات بالنسبة للشاعر والسيدة في دفعة واحدة إلا في (حين تغيبين ص38)


تنتصب الدقائق مشنقة للرغبات

يتشبع الهواء برائحة

تتكلس الضحكات

يضيق الفضاء |المساء | البلاد

قميصي يضيق

وتنخفض السقوف أوطأ من قامتي



5- وتميل دلالة الرضوانيات نحو وصف مغاير لكل ما سلف ، إذ يرسم الشاعر ملمحاً قاتماً في نص (عالياً أرفع قبعتي ص42 ) لتبدو الدلالة هنا أعمق رسوخاً في ما تشير إلى مأساة وفاجعة حلتا بالشاعر

للسواد يجلله الدمع

للدمع تبتكره الأمهات

للأمهات يغبطن زوجاتنا

لزوجاتنا تخدعهن العشيقات

للعشيقات تسرقنا منهن الأزقة



وتعني كذلك الإحساس بفاجعة الآخر ، والمشاركة معه في الهموم والأزمات كما في ( شقيق الفراشات ص 48 ) التي أهداها إلى الشاعر كريم جخيور



خيول قصيدته النافرة

رشاقة الصهيل

وجذوة الاختلاف

ملذاته فاضلة أبداً

وعلى أعتابها يراق الارجوان


وتعني أيضاً النظر صوب الذات العارفة التي تطل على الآخر ، للكشف عن عمق المعرفة بالأشياء التي يدركها الشاعر نفسه كما في ( ربيئة المعرفة ص 50)

ممتع وقوفك

فوق هذه الربيئة

معتمرا ًقبعة الشمول ونظارة الأزل


ترى ما لا يراه الآخرون :


الطرق المؤدية

الأسباب الموجبة

الأشياء حين تولد

وحين تفنى




وقد تعني بعض الرضوانيات في هذا المقام بعض المحبة الضائعة التي يحاول استردادها الشاعر من حبيب الأمس في ( وضوح ص 54) مختلف نوعاً ما


أقول سنابل القمح ... وأقصد شعرك

أرسم بئرين من عسل ......وأقصد عينيك

أتحدث عن الرطب البرحي بينما أعني كلماتك



ليقف أمام ( وصايا الطباشير ص 56) عاجزا عن الرثاء المزدوج ، لذاته التي تسرب إليها الفناء مبكراً ، وللآخرالذي يفتقد للحضور العلني في النصوص


أبي الطاعن في الطباشير

إئتني بسبورة بيضاء

أدون أيامه السود

لأني لن أكون أشد حزناً عليك

أرثيك قبل رحيلك



-ويشير الشاعر في آخر المطاف من طرف خفي إلى احتمال بروز دلالة أخرى للرضوانيات التي رسمها كعنوان ثان لمجموعته هذه ، في نص ( جمرات ص 60) إذ تبدو الملامح التي تعكس عدم الرضا عن وجوده الإنساني في عالم تسوده الجرائم



أنا البريء

أشرح جرائمي جسدي

أعمى يقود قطيعاً

من رغائب جائعة



ويضع حدوداً لمساره المتعثر كرجل يكابد الكثير من العوائق التي تسبب له العيش في عالم الرضوانيات ، وربما يحاكي في ( بهاء المرايا ص66) لوناً من ألوان المحاكاة التي تنسف مشاعره التي تنصب على فهم معنى أن يكون في عالم الانسحاق ، ويعلق عليه بالرضوانيات



على أيامه يهيلون غبارهم

ولا تنطفئ

6- وأخيراً

الرضوانيات هي تضخيم للرضوانية ، وهي منطقة زراعية في غربي بغداد العاصمة تغفو على بساتين وثكنة عسكرية كانت يستخدمها النظام السابق معتقلاً سرياً لمعارضيه من مختلف مناطق العراق ، والشاعر فرات صالح كان أحد زائريها بداية العقد التسعيني من القرن الماضي مع أصدقائه الأدباء الشباب آنذاك ، وهذه المجموعة حفت المعنى الذي ارتبط بالمعاناة المريرة التي مرت بالشاعر




*ناقد عراقي




العـــــــــودة للصفحـــة الرئيســــة – العــدد السابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق