الأيزديون
*محمد عفيف الحسيني
أخوالي من جهة الطاووس ملك
.
بروقٌ تتناثر على آلاتهم الملكوتية، بروقٌ تتناثر على سمائهم المضطهدة، بروقٌ وبروقٌ واضحة في الجبل، بجانب كولسن، بجانب شيخي البروق ـ شيخ آدي؛ شيخي الذي أغرقوه في الترف واللغة الكليمة، في الحجرة، في الزمن، في الأناشيد التي رتلوها لها، تلك التي البتول كولسن. يتلفت شيخي الكبير المعطر بعطر من اليعاقبة والنسطوريين والحقول الذبيحة والقلق والدخان الذي يتصاعد من الحب الكبير في معسكرات المنفيين أمثالي؛ يلتفت شيخي الكبير الإيزدي إلى كولسن، يدهن جسدها بطيب من الظلام والمقدس والخيانة، وعلى تخومها يستنجد بالآلام، يستنجد بالملك الكبير الطاووس الذي ذبحوه، هناك على الأرض: قيدوا رجليه الرقيقتين بشريط من حرير قامشلي، نتفوا ريش ذيله المبارك، طووا جناحيه الثقيلين على الطيران، بقبضة السكين الخشبية، أشعلوا في روحه الحب: سوف نذبحك أيها الطائر الملك. كان الطائر القدوس يبكي، لأنه لن يغني بعد، فقد ذُبحتْ حنجرتُه بسكين تشبه شفرات الحلاقين، أو المطهرين.
ثمت في غوتنبورغ، طائر الطاووس.
ثمت في غوتنبورغ، طائر المنفي.
يعزف الروسي الأيزدي صباحاً مساءً على آلته الأكورديون، عزفاً يتحدث عن ذلك الطاووس الذبيح.
في غوتنبورغ، تعيش كولسن مع الأيزيديين، يبحثون معاً عن ريش الألم، الألم الذي ينام على الأرض، ويسيل على الأرض مثل قهوة لن يشربها ضيوف المنفي، الذي يبحث مثلهم، عن الريش ـ طاووس ملك الذبيح.
Mon Amour
Mon Amour
يعزف السيد الروسي على آلته السيدة الأكورديون، يعزف أيضاً، نفس الأغنية ـ العذاب، الشيخ الكبير قبل مئات السنوات كان يهرب من بعلبك، إلى كوردستان، وهناك أنشأ المطلق الكهنوتي: Mon Amour.
ـ Mon Amour
ـ ماذا قلتَ؟.
أسأل السيد عازف الأكورديون، الذي في نفق غوتنبورغ، شجياً، وقاسياً، وبارداً من نفحة هواء قامشلي.
ـ هل تحبها، ياسيدي؟.
ـ هل تحب الجيتار؟.
ـ هل تحب البرتقال؟.
ـ هل تحب عامودا؟.
ـ هل تحب الطريق الذي يمتد من عامودا، إلى كولسن؟.
ـ هل تحب الألم؟.
ـ هل تحب أخوالها النساطرة؟.
الطريق الذي يمتد من عامودا إلى توبس، هو طريق نوراني، هو طريق الملك "غوستاف الأول"، الذي مات مثلي في المنفى؛ الطريق الكثيف الذي مشت فيه كولسن، وهي تتذكر جدها "بافي كال"، ذلك الذي كان يقطع شهوته الوقحة بالمشي، فيمشي ويمشي، من لالش حتى قامشلي، ومن الحروب حتى الطمأنينة بجانب الحجارة الناصعة التي على روحه المنفية، مثل روح حفيده المنفية.
في لالش، رأيتُ شيخ آدي، رأيتُ حجرته المرتجفة، رأيتُ نوره الذي على الصباح الرؤيا.
سألني شيخي المهاجر آدي بن مسافر:
ـ أين بافي كال؟.
سألني شيخي المهاجر:
ـ أين كولسن؟.
سألني شيخي المهاجر:
ـ أين تقيم يابني؟.
سألني شيخي المهاجر:
ـ أين حفيدي ميتان؟.
سألني شيخي المهاجر:
ـ هل قرأتَ لي ماكتبته عن كولسن؟.
شيخ آدي، هناك، يتأمل عازف الأكورديون الفقير.
جاءتِ البروقُ، جاء الرسولُ، جاء ضبابُ الصباح، جاءت تراتيل الأيزيديين، جاء الغد الكبير السيد، جاءت كولسن ـ سيدة المنفى، جاءت Mon Amour، العتب يتبعها، ويتبعها الأورانج والفضة والكهرمان والفجر والسكين التي ذبحت الطاووس والرنة الذهبية لصوتها الذهبي، وجاء المحتشدون وجاء المساء والنكهة بطعم فلامنكو، جاء درج الشيخ "حتو"، الذي من سلالة الطائر الذبيح، جاء عازف الأكورديون. الجميع أتوا؛ وغابت كولسن، شقية المحاربين، شقية أخوالي من جهة الطاووس ملك.
تعزف آلة الأكورديون للبتول كولسن:
Mon Amour
كان عازف الأكورديون أعمى، مثلي.
Mon Amour
غوتنبورغ السويد
*شاعر سوري
العـــــــــودة للصفحـــة الرئيســــة – العــدد السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق